بعد إنتهاء يوم مثقل مشحون ..تمتد يديك من غير حماس لتلتقط "الريموت " تنتقل بين برامج "التوك شو" الموجهة المملة.. تحاول جاهدا أن تنحى قناعاتك ورؤاك وفكرك.. تنتوى الحيادية.. تغلق كل قرون الإستفزاز والأحكام المسبقة.. تتجنب مشاعر الغضب التى تنتابك كلما أطلت عليك وجوه بعينها.. فجة فى نفاقها.. صريحة فى تملقها حد التقزز.. لم تعد تكلف نفسها حتى مجرد رسم أقنعة تتجمل بها فتحجب قدرا لأباس به من التزلف.. فبدت على درجة من القبح يفوق كثيرا قدرتك على التحمل.. تتغاضى عن كل ذلك وتحاول أن تفتح فى عقلك ثغرة لمحاولة الإقتناع والقبول والتسليم بما تطرحه عليك من آراء وأخبار وإنجازات.. فى محاولة أخيرة منك للنظر لنصف الكوب الممتلئ الذى يروجون له.. وكسر نظارتك القاتمة التى تحجب سطوع المشروعات البراقة من حولك.. والتخلى عن الإنحياز الأعمى لهموم البسطاء الذى يحول دون تقدير حجم وفخامة المدن والملاهى وناطحات السحاب التى تبنى للوجهاء فى بلدك.. حاول أن تلقى بكل تشاؤمك وهمومك وحزنك جانبا وإصغ بصدر رحب وبكل آذان واعية لماتروج له برامج التوك شو.. شاركهم انبهارهم بحجم المصانع وكم الطرق الجديدة وفخامة العاصمة الإدارية وعظم مبانيها ومسجدها وكاتدرائيتها وإنطلق معهم فى المساحة الخضراء المليونية المبشر بها.. وإقفز فرحا بمنظر المزارع السمكية والصوب الزراعية، واطلق لخيالك العنان معهم واحلم برغد العيش واشعر أن همومك جميعها قد حلت وأن غدا مشرقا فى إنتظارك.. ونم قرير العين ثم استيقظ من وهمك ليبدأ يومك.. تصدمك وجوه الشعب المطحون.. علامات الهم وبؤس الحال والخنقة من ضيق الرزق لم تعد عصية على الكتمان.. ما إن ينفجر أحدهم بالشكوى حتى يشاركه الكل مؤمنا ومؤيدا وثائرا.. فاض الكيل من الغلاء وفواتير صاعقة للكهرباء والغاز والمياه.. مصاريف دروس الأولاد وكسوتهم.. تكاليف العلاج.. وطواريء لم تعد تترك لأحد قدرة على مواجهتها وبات ظهور أى منها كشفا يفضح خواء البيوت التى لم تعد مستورة.. يكتم قبح الواقع ليمحو معه كلام التوك شو المفتعل الممجوج، وتصبح كلمات ركاب التوكتوك هى الأصدق.. بلا إفتعال أو تجميل أو تزييف.. تخرج من رحم معاناة وقسوة وشدة فى العيش.. وضربات موجعة لاترحم.. وقلة حيلة وعجز وعوز.. وأرواح بائسة حزينة وعيون فقدت بريق الحياة.. الغريب أن حالهم تلك لاتخفى على ولاة أمورهم ولا أبواق النفاق التى تروج لهم، الكل يعترف صراحة أن الشعب تحمل فاتورة الإصلاح بصبر وأنه ضرب أروع الأمثلة فى قدرته على الصمود والجلد، ومع ذلك لايعدونه بيوم قريب يجنى فيه ثمار هذا العناء ولايبشرونه بقرب ميعاد الخلاص من الفقر والغلاء وضيق العيش، بل على العكس لايتورعون عن مطالبته بمزيد التحمل والصبر، ولايخجلون من حضه على مزيد من المشاركة بالمال لبناء المدارس وتحسين الخدمات وغيرها ..
حقا كلام أراجوزات التوك شو ليس مدهونا بزبد لكنه سم ممزوج بعلقم، يطلع عليه كلام شعب التوك توك المطحون، فيفرمه تحت عجلاته ويدفنه.
-----------------
بقلم: هالة فؤاد